فن أحواش الأمازيغي المغربي: إرث ثقافي وتعبير عن الهوية
مقدمة
فن "أحواش" هو من أبرز الفنون
الشعبية التي يتميز بها الأمازيغيون في المغرب. يُعتبر هذا الفن واحدًا من أقدم
تعبيرات الفن في منطقة سوس جنوب المغرب، وهو يلقى اهتماماً كبيراً من جميع الفئات
العمرية، من الأطفال إلى الكبار، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً. يتميز
"أحواش" كرقصة جماعية تعبر عن الروابط الإنسانية القوية بين المشاركين
والحاضرين، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من المناسبات الاجتماعية والأفراح في هذه
المناطق. إنه يمثل حقاً موسماً خاصاً يجذب المهتمين من مسافات بعيدة، حيث يُنظر
إلى "أسايس"، وهو مكان أداء أحواش، كمدرسة حقيقية تنقل القيم الثقافية
عبر الأجيال المقدمة
الأصول والتاريخ
تعود أصول فن أحواش إلى المجتمعات
الأمازيغية التي تسكن المناطق الجبلية في المغرب، خصوصًا في الأطلس الكبير، الأطلس
المتوسط، وسلسلة جبال الريف. يعتبر أحواش من الفنون القديمة التي كانت تستخدم في
الاحتفالات الاجتماعية والطقوس الدينية، وقد تطور كوسيلة للتعبير عن الفرح
والاحتفاء بالمناسبات الخاصة مثل الأعراس، موسم الحصاد، وأعياد القبائل.
كان يُعتبر هذا الفن أيضًا وسيلة للتواصل
والتعاون بين أفراد المجتمع، حيث كان يُمارس خلال الأنشطة الزراعية والحصاد، مما
يعزز الروابط الاجتماعية بين الأفراد. يُعتقد أن فن أحواش تطور بشكل طبيعي من خلال
تفاعل البشر مع الطبيعة ومع بعضهم البعض، مما جعله جزءًا لا يتجزأ من حياتهم
اليومية.
الخصائص الفنية
يؤدى "أحواش" بشكل جماعي في
منطقة تُسمى عادة "أسايس"، ويشمل مجموعة متنوعة من الرقصات والأغاني،
منها ما هو مخصص للرجال فقط، ومنها ما هو مخصص للنساء، وأخرى مختلطة. في الماضي،
كان أداء "أحواش" يتم بشكل دوري خلال المناسبات الاجتماعية دون الحاجة
إلى مناسبة محددة، وكان يتميز بالفرح والسمر والطرب. في المناسبات الكبرى مثل
الأعراس والمواسم، يصبح أداء "أحواش" من الأولويات.
تبدأ حفلة "أحواش" غالباً بموال
افتتاحي بعد أن يأخذ كل مشارك موقعه الخاص. يبدأ العرض عادةً بالبسملة وطلب العون
من الله أو التوسل بالأولياء والصالحين. تتضمن الوصلة الغنائية في
"أحواش" دورين؛ الأول يُسمى "أمجوكر"، وهو يتميز بالكلمات
الثقيلة والإيقاع البطيء، بينما ينتقل إلى "أمسوس" حيث يتسارع الإيقاع
وتصبح الحركة أكثر حيوية. في نهاية هذا الدور، يُستبدل الغناء بآلات موسيقية مثل
"العواد" (المزمار)، التي تسيطر على العرض.
تتضمن أنواع "أحواش" رقصة نسوية
بامتياز، وأخرى تختلف بخصائص إيقاعية أو حركات أدائية. من بين هذه الأنواع رقصة
"أهناقار" ورقصة "الدرست" في منطقة طاطا، التي تُعد فضاءً
للحوار الشعري عبر سجالات بين الشعراء حول مواضيع اجتماعية، سياسية، أو دينية. ومع
ذلك، فإن بعض هذه الأنواع بدأت تتعرض للذوبان والاختفاء أو التحريف
1. الموسيقى والإيقاع: تُعتبر الموسيقى والإيقاع العنصرين الرئيسيين في فن أحواش. يتميز هذا
الفن بإيقاعات قوية ومؤثرة تُعزف باستخدام أدوات تقليدية مثل "التكدة"
(نوع من الطبول الأمازيغية) و"الدربوكة" (طبل صغير). تشكل هذه الإيقاعات
الخلفية للموسيقى الراقصة، وتُعبر عن التناغم والقوة في الأداء.
2. الرقص: يتميز رقص أحواش بالحركات الجماعية المتناغمة، حيث يرقص المشاركون في
تشكيل دائري أو نصف دائري. يتضمن الرقص حركات سريعة، قفزات، واهتزازات قوية تعكس
حيوية الأداء وتعزز من تفاعل المشاركين مع الإيقاع. يتم التنسيق بين الحركات
الجماعية بطريقة تعكس التآزر والتناغم بين الأفراد.
3. الأزياء: يرتدي المشاركون في عروض أحواش ملابس تقليدية ملونة وجميلة، تختلف من
منطقة لأخرى. تشتهر الأزياء بتفاصيلها الدقيقة ونقوشها التقليدية التي تعكس الثقافة
الأمازيغية. الملابس تكون غالباً مزينة بالخرز، الأساور، والحلي، مما يضيف لمسة
جمالية إلى العرض.
4. الاحتفالات: يُمارس فن أحواش بشكل رئيسي في المناسبات الاجتماعية، مثل الأعراس،
الأعياد، والمهرجانات الثقافية. يُعتبر هذا الفن رمزًا للاحتفالات الجماعية، حيث يُجسد
الفرح والاحتفاء بالمناسبات الخاصة. خلال هذه الاحتفالات، يتم تنظيم عروض موسيقية
ورقصات تعكس الروح الجماعية والحيوية للمجتمع.
فن أحواش في العصر الحديث
شهد فن "أحواش" تغيرات ملحوظة
نتيجة للتحولات الاجتماعية الكبرى التي شهدتها مناطق سوس. انعكست هذه التغيرات على
الفن بشكل واضح، حيث شهد "أحواش" بعض مظاهر التحريف والتغيير. فقد تأثرت
الأشكال التقليدية للفن، وظهرت أنماط جديدة من التعبير قد تكون غير متوافقة مع
الأصول التقليدية للفن. الفن الأمازيغي بشكل عام، و"أحواش" بشكل خاص،
كان يتميز بالتلقائية والعفوية، لكنه أصبح يتعرض الآن لتأثيرات سلبية أدت إلى تآكل
جودته وتقلص إبداعه.
في العصر الحديث، حافظ فن أحواش على مكانته
كرمز ثقافي مهم، وأصبح يُعرض في المهرجانات الثقافية والمناسبات الدولية. ساعدت
هذه العروض على تعزيز الوعي بالتراث الأمازيغي وجذب الانتباه إلى ثراء الثقافة
المغربية. ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا الفن في وجه التحديات المعاصرة يتطلب
جهوداً مستمرة من قبل المجتمعات المحلية والمؤسسات الثقافية.
التحديات والفرص
يواجه فن أحواش عدة تحديات في العصر
الحديث، بما في ذلك التأثيرات الثقافية العالمية وتغير الأذواق الفنية. التحديات
تشمل الحفاظ على الأشكال التقليدية للفن وسط التحديث والابتكار. مع ذلك، توفر هذه
التحديات فرصاً جديدة لتجديد الفن وتعليم الأجيال الجديدة عن أهميته الثقافية. من
خلال برامج التعليم والتدريب والمشاركة في المهرجانات الدولية، يمكن تعزيز قيمة فن
أحواش وضمان استمراريته كجزء من التراث الثقافي.
الخاتمة
يُعتبر فن أحواش الأمازيغي تجسيداً حقيقياً
للثقافة والتقاليد المغربية، وهو رمز للتنوع والثراء الثقافي في المغرب. من خلال
الحفاظ على هذا الفن وتعزيزه، يمكن للأجيال الحالية والمستقبلية الاستمرار في
الاحتفاء بتاريخهم الثقافي بشكل مميز وجميل. إن الفن ليس فقط وسيلة للتسلية
والترفيه، بل هو أيضًا تعبير عن الهوية والتراث الذي يربط بين الأفراد ويعزز من
الروابط الاجتماعية